فصل: موعظة في ذم فاحشة الزنا:

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: موارد الظمآن لدروس الزمان



.موعظة في ذم فاحشة الزنا:

عباد الله لَقَدْ طغت شهوة الفرج الْيَوْم على كثير من النَّاس طغيانَا لَيْسَ فوقه طغيان وأصبح سلطانها على أفراده شيبًا وشبانَا لا يدانيه سلطان حتى إنه ليخيل إلى بَعْضهمْ أن فاحشة الزنا بسيطة والعياذ بِاللهِ وأن مغازلة النساء والخلوة بهن مباحة نسأل الله العافية.
يدُلك على ذَلِكَ ما تشاهده من الرِّجَال والنساء فترى الرِّجَال في تأنق بديع في لباسهم قَدْ حلقوا لحاهم وألهبوا الأصباغ في وجناتهم وذكت روائحهم ورجلوا شعر رؤوسهم وتعرضوا للنساء في الطرق قَدْ خلعوا سربال الحياء.
وترى النساء تستعد استعدادًا تامًا إذا أرادت الْخُرُوج من بيتها فتتزين بأنواع الزينة من لباس براق وشفاف ومن حُلي يلمَعَ لمعانَا يأخذ بالأبصار ومن تعطر بما تهزأ رائحته برائحة المسك ومن أدهان تدهن به وجهها وأطرافها وحاجبها وشفتيها ومن آلة تفرق بها رأسها وجفونها ليصير ناعمًا لامعًا كثيرًا وبذَلِكَ تنقلب فتنة للناظرين بعد أن كانَتْ قبل ذَلِكَ تشق على العيون رؤيتها وعلى الآذان سماع صوتها ويفر من شهابتها وقبحها وهيئتها التي كانَتْ تتقدم بها لزوجها في البيت كُلّ ذَلِكَ سببه مخالطة الأجنبيات أبعدهن الله.
فما ظنك إذا التقا هؤلاء إنها لمصائب تجرح قلب كل مؤمن غيور لدينه كمدًا من هذه المنكرات وأشباهها قال صلى الله عليه وسلم محذرًا عن فتنة النساء: «اتقوا الدنيا واتقوا النساء فإن إبلَيْسَ طلاع رصادٌ وما هُوَ بشَيْء من فُخُوخه بأوثق لصيده في الأتقياء من النساء».
وخص الأتقياء لما لَهُمْ من الشهرة على قهر الشيطان ورد كيده فما ظنك بغير الأتقياء فهو ما يثق بصيده الأتقياء بشَيْء من آلات الصيد وثوقه بالنساء وكونهن من فخوخه فلأنه جعلهن مصيدة لا تفلت يزينهن في قُلُوب الرِّجَال ويغريهم بهن فيورطهم في الزنا كصائد ينصب شبكة ليصطاد بها ويغري الصيد عَلَيْهَا ليقع في حبائلها قال بَعْضهمْ:
عَجُوزُ النَّحْسِ إِبْلِيسٌ يَرَاهَا ** تُعَلِّمُهُ الْخَدِيعَةَ فِي السُّكُوتِ

تَقُودُ مِنَ السِّيَاسَةِ أَلْفَ بَغْلٍ ** إِذَا انْفَرَدَتْ بِخَيْطِ الْعَنْكَبُوتِ

آخر:
إِذَا رَأَيْتَ أُمُورًا ** مِنْهَا الْفُؤَادُ تَفَتَّتْ

فَتشْ عَلَيْهَا تَجِدْهَا ** مِنَ النِّسَاءِ تَأَتَتْ

آخر:
لا تَنْكَحَنَّ عَجُوزًا إِنْ أَتَوْكَ بِهَا ** وَاخْلَعْ ثِيَابِكَ مِنْهَا مُمْعِنًا هَرَبَا

فَإِنْ أَتَوْكَ وَقَالُوا إِنَّهَا نَصَفُ ** فَإِنَّ أَحْسَنَ نِصْفِيْهَا الَّذِي ذَهَبَا

آخر:
إِذَا كُنْتَ ذَا اثْنَتَيْنِ فَاغْدُ مُحَارِبًا ** عَدُوَّيْنِ وَاحْذَرْ مِنْ ثَلاثَ ضَرَائِرِ

وَإِنْ هُنَّ أَبْدَيْنَ الْمَوَدَّةَ وَالرِّضَى ** فَكَمْ مِنْ حَقُودٍ غُيِّبَتْ فِي الظَّمَائِرِ

وَإِنْ كُنْتَ غِرًّا بِالزَّمَانِ وَأَهْلِهِ ** فَيَكْفِيكَ إِحْدَى الآنِسَاتِ الْغَرَائِر

قال صلى الله عليه وسلم: «يا أيها النَّاس انهو نساءكم عن لبس الزينة والتبختر في المسجد فإن بني إسرائيل لم يلعنوا حتى لبس نساؤهم الزينة وتبخترن في المساجد». رواه ابن ماجة وفي الْحَدِيث الآخر:
«ما من صباح إِلا وينادي ملكَانَ ويل للرِجَال من النساء وويل للنساء من الرِّجَال». رواه ابن ماجة والحاكم.
وروى مسلم عن أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ أن النَّبِيّ صلى الله عليه وسلم قَالَ: «إِنَّ الْمَرْأَةَ تُقْبِلُ فِي صُورَةِ شَيْطَانٍ وَتُدْبِرُ فِي صُورَةِ شَيْطَانٍ فَإِذَا أََرَى أَحَدُكُمُ من امْرَأَةً ما يعجبه فَلْيَأْتِ أَهْلَهُ فَإِنَّ ذَلِكَ يَرُدُّ مَا فِي نَفْسِهِ».
وَعَنْ ابن مسعود عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم قَالَ: «إِنَّ الْمَرْأَةُ عَوْرَةٌ فَإِذَا خَرَجَتِ اسْتَشْرَفَهَا الشَّيْطَانُ». رواه الترمذي قَالَ أَبُو حمزة الخرساني: النظر رسول البلايا وسهام الْمَنَايَا.
وَقَالَ بعض الحكماء من غلب هواه عقله افتضح ومن غض طرفه استراح.
وَقَالَ بَعْضهمْ: لا شَيْء أشد من ترك الشهوة لأن تحريك الساكن أيسر من تسكين المتحرك.
وَقَالَ ابن الحاج: قال صَاحِب الأنوار: احذروا الاغترار بالنساء وإن كن نساكًا عبادًا فإنهن يركن إلية كُلّ بلية ولا يستوحشن من كُلّ فتنة.
إِنَّ النِّسَاءِ كَأَشْجَارٍ نَبَتْنَ مَعًا ** مِنْهُنَّ مُرٌّ وَبَعْضَ الْمُرِّ مَأْكُولُ

إِنَّ النِّسَاءَ مَتَى يُنْهَيَنَ عَنْ خُلُقٍ ** فَإِنَّهُ وَاجِبٌ لابد مَفْعُولُ

وَقَالَ بعض العارفين: ما أيس الشيطان من إنسان قط إِلا أتاه من قبل النساء لأن حبس النفس ممكن لأَهْل الكمال إِلا عن النساء لأنهن من ذوات الرِّجَال وشقائقهم ولسن غَيْرًا حتى يمكن التباعد عَنْهُ والتحرر عَنْهُ.
لا تَأْمَنَنَّ عَلَى النِّسَاءِ وَلَوْ أَخَا ** مَا فِي الرِّجَالِ عَلَى النِّسَاءِ أَمِينُ

يَا رَاعِي الذَّوْدِ لا تَرْحَلْ لِمَكْرَمَةٍ ** إِنَّ الْقِلاصَ إِذَا مَا غَابَ رَاعِيهَا

لَمْ يَثْنِهَا أَحَدٌ دُونِ الْفُحُولِ فَلا ** تُهْمِلْ قَلُوصَكَ إِمَّا كُنْتَ تَحْمِيهَا

وَلا تَلُمْهَا عَلَى وِرْدٍ وَقَدْ ظَمِئَتْ ** لَوْ شِئْتَ أَرْوَيْتَهَا إِذْ كُنْتَ سَاقِيهَا

أَحْظَرْ مَشَارِبَهَا وَاحْفُفْ جَوَانِبَهَا ** وَارْمُمْ مَذَاهِبَهَا تَسْلَمْ قَوَاصِيهَا

خَلَيْتَهَا لِفُحُولٍ غَيْرِ فَاخِرَةٍ ** فِي كُلِّ بَرِّيَّةٍ قَفْرٍ فَيَافِيهَا

قال الله تَعَالَى: {هُوَ الَّذِي خَلَقَكُم مِّن نَّفْسٍ وَاحِدَةٍ وَجَعَلَ مِنْهَا زَوْجَهَا} وما عداهن فاتباع هوى النفس فيه آية تكذيب الرحمن وعلامة الاسترسال مَعَ الشيطان وتصديقه فيما يزينه من البهتان.
ولذا نرى الحازم اللبيب الكامل منقادًا مسترسل الزمام لتلك الناقصات دينًا وعقلاً مقهورًا تحت حكمهن قال جرير:
إِنَّ الْعُيُونَ الَّتِي فِي طَرْفِهَا حَوَرُ ** قَتَلْنَنَا ثُمَّ لا يُحْيِينَ قَتْلانَا

يَصْرَعْنَ ذَا اللُّبِّ حَتَّى لا حَرَاكَ بِهِ ** وَهُنَّ أَضْعَفُ خَلْقِ اللهِ إِنْسَانَا

فالنساء فتنة عظيمة للرِجَال فالَّذِي يقوى على قهر نَفْسهُ عن هواها أمام هذه الشهوة خوفًا من الله تَعَالَى ويلزمها وعدم التسخط عِنْدَ فادحات المصائب رضًى بما قدره الله وأجراه دَلِيل على كمال إيمانه بخلاف المتبع لهواه عادم الصبر والاحتساب وهَذَا هُوَ الميزان عِنْدَ الاختبار.
قال بَعْضهمْ:
وَعَبْدُ الْهَوَى يَمْتَازُ مِنْ عَبْدِ رَبِّهِ ** لَدَى شَهْوَةٍ أَوْ عِنْدَ صَدْمِ بَلِيَّةِ

بَكِيرِ الْبَلا يَبْدُو مِنَ التِّبْرِ حُسْنُهُ ** وَيَبْدُو نُحَاسُ النَّحْسِ فِي كُلِّ مِحْنَةِ

خَلا مِنْ حُلَى قَوْمٍ كَرَامٍ تَدَرَّعُوا ** دُرُوعَ الرِّضَا وَالصَّبْرِ فِي كُلِّ شِدَّةِ

وَلاقَوْا طِعَانَ النَّفْسِ فِي مَعْرَكِ الْهَوَى ** وَرَاحُوا وَقَدْ أَرْوَوْا مَوَاضِي الأَسِنَّةِ

وَسَاقُوا جِيَادَ الْجِدِّ عِنْدَ اشْتِيَاقِهِمْ ** وَأَرْخَوْ لَهَا نَحْوَ الْعُلا لِلأَعِنَّةِ

سَمَوْا فَاعْتَلَوْا بِيضَ الْمَعَالِي عَوَالِيًا ** بِبِيضِ الْعَوَالِي فِي الْقُصُورِ الْعَلِيَّةِ

مَقامَاتَ قَوْمٍ أَتْعَبُوا النَّفْسَ فِي السُّرَى ** وَفازُوا بِمَا نَالُوهُ فَوْقَ الأَسِرَّةِ

بِذُلٍّ أُنِيلُوا الْعِزَّ وَالْجُهْدِ رَاحَةً ** وَفَقْرٍ غِنَىً وَالْحُزْنِ كُلَّ مَسَرَّةِ

وَطَيَّبَ عَيْشٍ بِالطَّوى ثُمَّ بِالظَّمَا ** شَرَابَ كُؤُوسِ حَالِيَاتٍ هَنِيَّةِ

بِجَنَّاتِ عَدْنٍ فِي رِيَاضٍ أَنِيقَةٍ ** لَهُمْ ذُلِّلَتْ مِنْهَا قُطُوفٌ تَدَلَّتِ

جَنَوْا مِنْ جَنَاهَا زَاكِيًا لا يَذُوقُهُ ** مِنَ الْخَلْقِ إِلا كُلُّ نَفْسٍ زَكِيَّةِ

تَسَلَّتْ عَن الدُّنْيَا وَمَاتَتْ عَنِ الْهَوَى ** وَغَسَّلَهَا فِي مَوْتِهَا مَاءُ دَمْعَةِ

وَصَلَّتْ عَلَيْهَا صَالِحَاتُ فِعَالِهَا ** وَقَدْ كُفِّنَتْ فِي بِيضِ أَثْوَابِ تَوْبَةِ

وَنَالَتْ مُنَاهَا وَالسَّعَادَاتِ كُلَّهَا ** فَيَا سُعْدَ نَفْسٍ أَدْرَكَتْ مَا تَمَنَّت

إذا فهمت ذَلِكَ فاحرص كُلّ الحرص علي صيانة أهلك في هَذَا الزمن وأما البيوت فمتمردات على الرِّجَال لا يهدأن ليلاً ولا نهارًا من المشاغبات والتدخل فيما لا يعني حتى أن الرجل ليكره دخول بيته لأنها من المؤذيات لا ينتهي ذَلِكَ الشغب في يوم ولا أسبوع ولا شهر ولا سنة.
كل يوم تجدد محاضرات المشاغبة فقاتلهن الله ما للُؤْمهن مَعَ الرِّجَال حد تقف عنده أولئك اللئيمَاتَ وصار الرجل لا يقدر على منعها من الْخُرُوج إلى الأسواق ولا من الجلوس عِنْدَ التلفزيون والنظر إليه الَّذِي حطم الأَخْلاق والعقائد والأديان وقتل الغيرة الدينية والمرؤة وسبب الانحلال والتميع في العائلات وخدر أعصاب الأبوين وانتزع السلطة منهما وسبب نشوز الزوجة عن زوجها والزوج عن زوجته ودل النَّاس على طرق المكر والحيل والسلب والنهب والعدوان على النَّاس مَعَ ما فيه من احتقار المسلمين وخصوصًا علماؤهم وأبطالهم وتعَظِيم الكفرة والمنافقين والنظر إلى الأجنبيات ونزع الحياء والعفة والتشبه بأعداء الله والسير في ركابهم وضياع الأوقات فيما يضر ولا ينفع إلى غير ذَلِكَ من المضار التي فيما أظن تزيد على المائتين نسأل الله العافية في الدُّنْيَا والآخرة إنه القادر على ذَلِكَ.
هِيَ الضّلَعُ الْعَوْجَاءُ لَسْتَ تُقِيمهَا ** إِلا إِنَّ تَقْوِيمَ الضُّلُوعِ انْكِسَارُهَا

أَتَجْمَعُ ضُعْفًا وَاقْتِدَارًا عَلَى الْفَتَى ** أَلَيْسَ عَجِيبًا ضُعْفُهَا وَاقْتِدَارُهَا

آخر:
إِذَا كُنْتَ بِالتِّلْفَازِ وَالْفِيدْيُو مُولَعًا ** وَعِنْدَكَ مِذْيَاعٌ وَكُورَةُ لاعِبِ

وَتَشْرَبُ دخَّانًا وَتَحْلَقُ لِحْيَةً ** وَتَعْشِقُ فَنَّانًا وَصَوْتًا لِمُطْربِ

فَأَنْتَ سُكَرْتِيرٌ لِمَنْ كَانَ فَاسِقًا ** يُفَدِيك إِنْ أَقْبَلْتَ بِالأُمِّ وَالأَبِ

آخر:
أَلا قِفْ بِدَارِ الْمُتْرُّفَيْنَ وَقُلْ لَهُمْ ** أَلا أَيْنَ أَرْبَابُ الْمَدَائِنِ وَالْقُرَى

وَأَيْنَ الْمُلُوكُ النَّاعِمُونَ بِغَبْطَةٍ ** وَمَنْ عَانَقَ الْبِيضَ الرَّعَابِيبَ كَالدُّمَى

فَلَوْ نَطَقَتْ دَارٌ لَقَالَتْ دِيَارُهُمْ ** لَكَ الْخَيْرُ صَارُوا لِلتُّرَابِ وَلِلْبَلَى

وَأَفْنَاهُمْ كَرُّ النَّهَارَ وَلَيْلُهُ ** فَلَمْ يَبْقَ لِلأَيَّامِ كَهْلُ وَلا فَتَى

آخر:
بِضَاعَةُ الْعُمُرِ الْمَاضِي يَفُوزُ بِهَا ** مَنْ يَقْطَعُ الدَّهْرَ فِي عَزْمٍ وَتَشْمِيرِ

يَا نَفْسُ ضَيَّعْتِ رَأْسَ الْمَالِ فِي غَلَطٍ ** فَمَرَّ عُمْرُكِ فِي سَهْوٍ وَتَبْذِيرِ

يَا ضَيْعَتَ الْعُمْرِ مَاضٍ مَا انْتَفَعْتُ بِهِ ** وَلا حَصَلْتُ عَلَى الْبَاقِي بِتَدْبِيرِ

آخر:
وَلا تُرْجَ فِعْلَ الصَّالِحَاتٍ إِلَى غَدَ ** لَعَلَّ غَدًا يَأْتِي وَأَنْتَ فَقِيدُ

آخر:
وَلَيْسَ جَلِيلاً فَقْدُ مَالٍ وَرُزْؤُهُ ** وَلَكِنَّ فَقْدَ الدِّينِ فَهُوَ جَلِيلُ

آخر:
وَلَوْ أَنَّ عَيْنًا سَاعَدَتْ لَتَوَكَّفَتْ ** سَحَائِبُهَا بِالدَّمْعِِ دِيمًا وَهُطَّلا

وَلَكِنَّهَا مِنْ قَسْوَة الْقَلْبِ أَقْحَطَتْ ** فَيَا ضَيْعَتَ اَلأَعْمَارِ تَمْشِي سَبَهْلَلا

آخر:
فَيَا أَسَفَا يَا حَسْرَتَا يَا مُصِيبَتَا ** وَيَا ضَيْعَةِ الأَعْمَارِ عِنْدَ الْمَنَاكِرِ

آخر:
وَكُلُّ كَسْرٍ فَإِنَّ اللهَ يَجْبرُهُ ** وَمَا لِكَسْرِ قَنَاةِ الدِّينِ جُبْرَانُ

اللَّهُمَّ نور قلوبنا بنور الإِيمَان واحمنا من الفتن والطغيان وآتنا في الدُّنْيَا حسنة وفي الآخرة حسنة وقنا عذاب النار وَاغْفِرْ لَنَا وَلِوَالِدَيْنَا وَلِجَمِيعِ المسلمين بِرَحْمَتِكَ يا أَرْحَمَ الرَّاحِمِينَ. وَصَلَّ الله عَلَى مُحَمَّد وَآلِهِ وَصَحْبِهِ أَجْمَعِينَ.

.فصل فيما يلزم كل واحد من الزوجين:

اعْلَمْ وفقنا الله وَإِيَّاكَ وَجَمِيع المسلمين لما يحبه الله ويرضاه أنه يلزم كُلّ واحد من الزوجين معاشرة الآخر بالمعروف من الصحبة الجميلة، وكف الأذى، وأن لا يمطله بحقه، مَعَ قدرته، ولا بظهر الكراهة لبذله، بل ببشر وطلاقة، وطيب نفس، ولا يتبعه منةً، ولا أذى لأن هَذَا من المعروف المأمور به.
لقوله تَعَالَى: {وَعَاشِرُوهُنَّ بِالْمَعْرُوفِ} وقوله: {وَلَهُنَّ مِثْلُ الَّذِي عَلَيْهِنَّ بِالْمَعْرُوفِ} قال ابن عباس: إني لأحب أن أتزين للمرأة كما أحب أن تتزين لي، لأن الله تَعَالَى يَقُولُ: {وَلَهُنَّ مِثْلُ الَّذِي عَلَيْهِنَّ بِالْمَعْرُوفِ}.
وحق الزوج على المرأة أعظم من حقها عَلَيْهِ، لقوله تَعَالَى: {وَلِلرِّجَالِ عَلَيْهِنَّ دَرَجَةٌ}.
ولقوله صلى الله عليه وسلم: «لو كنت آمرًا أَحَدًا أن يسجد لأحد لأمرت النساء أن يسجدن لأزواجهن لما جعل الله عَلَيْهمْ من الحق». رواه أبو داود.
وَقَالَ: «إِذَا بَاتَتِ الْمَرْأَةُ هَاجِرَةً ِفِرَاشِ زَوْجِهَا لَعَنَتْهَا الْمَلاَئِكَةُ حَتَّى تُصْبِحَ». متفق عَلَيْهِ.
وفي الصحيحين أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «إذا دعا الرجل امرأته إلى فراشه فلم تأته لعنتها الملائكة حتى تصبح».
وفي لفظ: «فبات وَهُوَ عَلَيْهَا غَضْبَان، لعنتها الملائكة حتى تصبح». ولفظ الصحيحين أيضًا: «إذا باتت المرأة هاجرة زوجها فتأبى عَلَيْهِ إِلا كَانَ الَّذِي في السماء ساخطًا عَلَيْهَا، حتى يرضى عَنْهَا زوجها».
وعن جابر رَضِيَ اللهُ عَنْهُ عن النَّبِيّ صلى الله عليه وسلم قال: «ثلاثة لا يقبل الله لَهُمْ صلاة ولا ترفع لَهُمْ إلى السماء حسنة الْعَبْد الأبق حتى يرجع إلى مواليه فيضع يده في أيديهم والمرأة الساخط عَلَيْهَا زوجها حتى يرضى عَنْهَا، والسكران حتى يصحوا».
وَقَالَ صلى الله عليه وسلم: «لا تؤذي امرأة زوجها إِلا قَالَتْ زوجته من الحور العين: لا تؤذيه قاتلك الله فإنما هُوَ عندك دخيل يوشك أن يفارقك». رواه ابن ماجة والترمذي وَقَالَ: حديث حسن.
وعن عَائِشَة رَضِيَ اللهُ عَنْهَا قَالَتْ: سألت رسول الله صلى الله عليه وسلم أي النَّاس أعظم حقًا على المرأة؟ قال: «زوجها». قُلْتُ: فأي النَّاس أعظم حقًا على الرجل؟ قال: «أمه». رواه البزار والحاكم.
وعن الحسن قال: حدثني من سمَعَ النَّبِيّ صلى الله عليه وسلم يَقُولُ: «أول ما تسأل عَنْهُ المرأة يوم القيامة، عن صلاتها وعن بعلها».
وعن ابن عباس أن امرأة من خثعم أتت رسول الله صلى الله عليه وسلم فقَالَتْ: يَا رَسُولَ اللهِ أخبرني ما حق الزوج على الزوجة، فإني امرأة أيم فإن استطعت وإِلا جلست أيما. قال: «إن حق الزوج على زوجته إن سألها نفسها وهي على ظهر قتب أن لا تمنعه نفسها».
ومن حقوق الزوج على زوجته أن لا تصوم تطوعًا إِلا بإذنه، فإن فعلت جاعت وعطشت ولا يقبل منها، ولا تخَرَجَ من بيتها إِلا بإذنه، فإن فعلت لعنتها ملائكة السماء وملائكة الرحمة، وملائكة العذاب، حتى ترجع. قَالَتْ: لا جرم ولا أتزوج أبدًا. رواه الطبراني.
ومِمَّا يدل على عظم حق الزوج، ما رواه البزار عن ابن عباس رضي الله عنهما قال: وجاءت امرأة إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقَالَتْ: يَا رَسُولَ اللهِ أَنَا وافدة النساء إليك، هَذَا الجهاد كتبه الله على الرِّجَال، فإن أصيبوا أجروا، وإن قتلوا كَانُوا أحياء عِنْدَ الله يرزقون.
ونَحْنُ معشر النساء، نقوم عَلَيْهمْ فما لنا من ذَلِكَ، قال: فَقَالَ رسول الله صلى الله عليه وسلم: «بلغي من لقيت من النساء أن طاعة الزوج واعترافًا بحقه يعدل ذَلِكَ وقليل منكن من يفعله».
ومِمَّا يدل على عظم حق الزوج، حديث أبي سعيد رَضِيَ اللهُ عَنْهُ قال: أتى رجل بابنته إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فَقَالَ: ابنتي هذه أبت أن تتزوج فَقَالَ لها رسول الله صلى الله عليه وسلم: «أطيعي أباك». فقَالَتْ: والَّذِي بعثك لا أتزوج حتى تخبرني ما حق الزوج على زوجته. قال: «حق الزوج على زوجته لو كانَتْ به قرحة فلحستها، أو تنثر منخراه صديدًا ودمًا ثُمَّ ابتلعته، ما أدت حقه». قَالَتْ: والَّذِي بعثك بالحق لا أتزوج أبدًا. فَقَالَ النبي صلى الله عليه وسلم: «لا تنكحوهن إِلا بإذنهن». رواه البزار وابن حبان في صحيحه.
وقَالَتْ عمة حصين بن محصن وذكرت زوجها للنبي صلى الله عليه وسلم فَقَالَ: «انظري من أين أَنْتَ منه، فإنه جنتك ونارك». أخرجه النسائي.
وقَالَتْ عَائِشَة رَضِيَ اللهُ عَنْهَا: يا معشر النساء لو تعلمن بحق أزواجكن عليكن لجعلت المرأة منكن تمسح الغبار عن قدمي زوجها بخد وجهها.
وَقَالَ صلى الله عليه وسلم: «نساؤكم من أَهْل الْجَنَّة الودود التي إذا أوذيت أو آذت أتت زوجها حتى تضع يدها في كفه فَتَقُول لا أذوق غمضًا حتى ترضى».
وعن عَبْد اللهِ بن عمرو رضي الله عنهما قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «لا ينظر الله إلى امرأة لا تشكر زوجها وهي لا تستغني عَنْهُ».
وجَاءَ عَنْهُ صلى الله عليه وسلم أنه قال: «إذا خرجت المرأة من بيت زوجها لعنتها الملائكة حتى ترجع أو تتوب».
وعن زيد بن أرقم قال: قَالَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم: «المرأة لا تؤدي حق زوجها كله ولو سألها وهي على ظهر قتب لم تمنعه نفسها». رواه الطبراني بإسناد جيد.
وعن ابن عمرو رضي الله عنهما قال: قال رسول صلى الله عليه وسلم: «اثنان لا تجاوز صلاتهما رؤوسهما عبد أبق من مواليه حتى يرجع وامرأة عصت زوجها حتى ترجع».
وعنه رَضِيَ اللهُ عَنْهُ قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يَقُولُ: «إن المرأة إذا خرجت من بيتها وزوجها كاره لعَنْهَا كُلّ ملك في السماء وكل شَيْء مرت عَلَيْهِ، غير الجن والإنس، حتى ترجع». رواه الطبراني في الأوسط.
وعن طلق بن علي رَضِيَ اللهُ عَنْهُ أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «إذا دعا الرجل زوجته لحاجته فلتأته وإن كانَتْ على التنور». رواه الترمذي وَقَالَ: حديث حسن والنسائي وابن حبان في صحيحه.
وعن ابن أبي أوفى رَضِيَ اللهُ عَنْهُ قال: لما قدم معاذ بن جبل من الشام سجد للنبي صلى الله عليه وسلم فَقَالَ رسول الله صلى الله عليه وسلم: «ما هَذَا؟» قال: يَا رَسُولَ اللهِ قدمت الشام فوجدتهم يسجدون لبطارقتهم وأساقفتهم فأردت أن أفعل ذَلِكَ بك.
قال: «فلا تفعل فإني لو أمرت أَحَدًا أن يسجد لأحد لأمرت المرأة أن تسجد لزوجها والَّذِي نفسي بيده لا تؤدي المرأة حق ربها حتى تؤدي حق زوجها». رواه ابن ماجة وابن حبان في صحيحه.
وَقَالَ صلى الله عليه وسلم: «لو أمرت أَحَدًا أن يسجد لأحد لأمرت المرأة أن تسجد لزوجها من عظم حقه عَلَيْهَا ولا تجد حلاوة الإِيمَان حتى تؤدي حق زوجها ولو سألها نفسها وهي على ظهر قتب».
وَقَالَ صلى الله عليه وسلم: «لا يحل لامرأة تؤمن بِاللهِ أن تأذن في بيت زوجها وَهُوَ كاره ولا تخرج وَهُوَ كاره ولا تطيع فيه أَحَدًا ولا تعزل فراشه ولا تضربه فإن كَانَ هُوَ أظلم فلتأته حتى ترضيه فإن قبل منها فبها ونعمت وقبل الله عذرها وأفلح حُجتها ولا إثُمَّ عَلَيْهَا وإن هُوَ لم يرض فقَدْ أبلغت عِنْدَ الله عُذرها». رواه الحاكم وَقَالَ: صحيح الإسناد.
اللَّهُمَّ ارزقنا حبك وحب من يحبك وحب الْعَمَل الَّذِي يقربنا إلى حبك اللَّهُمَّ افتح لدعائنا باب القبول والإجابة وألهمنا ذكرك وشكرك ووفقنا لامتثال أمرك وآتنا في الدُّنْيَا حسنة وفي الآخرة حسنة وقنا عذاب النار وَاغْفِرْ لَنَا وَلِوَالِدَيْنَا وَجَمِيعِ المسلمين بِرَحْمَتِكَ يا أَرْحَمَ الرَّاحِمِينَ. وَصَلَّى الله عَلَى مُحَمَّد وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ أَجْمَعِينَ.
فصل:
إذَا عُلِمَ ما سبق فالواجب على المرأة أن تطلب رضا زوجها وتجتنب سخطه ولا تمتنع منه متى أرادها وهي طاهرة وينبغي أن تقدر كأنها كمملوكة للزوج فلا تتصرف في نفسها ولا في ماله إِلا بإذنه.
وتقدم حقه على حقها وحقوق أقاربه على حقوق أقاربها وتَكُون مستعدة لتمتعه بها بجَمِيع أسباب النظافة ولا تفتخر عَلَيْهِ ولا تتطاول عَلَيْهِ برفع صوتها كما تفعله ضعيفات الدين سخيفات العقول الملسنات الفاهرات اللاتي يحمل أزواجهن همًا عظيمًا إذا أراد دخول بيته خوفًا من شرورهن وألسنتهن وما أكثرهن في هَذَا الزمن.
ويجب عَلَيْهَا أيضًا دوام الحياء من زوجها وغض طرفها قدامه ولا تفعل قدامه ما يكرهها عنده ولا تسمعه ما ينغص عَلَيْهِ عيشه ويكدر خاطره وتطيعه إذا أمرها في غير معصية الله.
وتسكت عند كلامه ولا تنازعه القول ولا تتدخل فيما لا يعنيها لئلا يحصل فراق وتبتعد عن كُلّ ما يسخطه وتَقُوم معه عِنْدَ خروجه.
وتعرض نفسها عَلَيْهِ عِنْدَ النوم وتتجنب خيانته في غيبته وفي حضوره في فراشه وماله وبيته وتطيب رائحتها.
وتتعاهد فمها بالسواك وبالمسك والطيب ودوام الزينة بحضرته وتتركها في غيبته وتحرص على كُلّ ما يسلكها عنده وتكرم أهله وأقاربه وترى القليل مِنْهُمْ كثيرًا وهَذَا إذا كَانَ مستقيمًا في أعماله وأخلاقه.
ولَقَدْ أحسن القائل يخاطب زوجته:
خُذِي الْعَفْوَ مِنِّي تَسْتَدِيمِي مَوَدَّتِي ** وَلا تَنْطِقِي فِي سَوْرَتِي حِينَ أَغْضَبُ

فَإِنِّي رَأَيْتُ الْحُبَّ فِي الصَّدْرِ وَالأَذَى ** إِذَا اجْتَمَعَا لَمْ يَلْبَثِ الْحُبُّ يَذْهَبُ

ومن حقوق الزوج على زوجته أن لا تألو جهدها فيما يحببها إليه، قَالَتْ أسماء بنت خارجة الفزاري لابنتها عِنْدَ الزفاف: يا بنية إنك خرجت من العش الَّذِي درجت فيه فصرت إلى فراش لم تعرفيه وقرين لم تألفيه.
فكوني له أرضًا يكن لك سماء وكوني له مهادًا يكن لك عمادًا وكوني له أمة يكن لك عبدًا لا تلحفي فيقلاك المعني لا تلحي عَلَيْهِ فيبغضك، ولا تباعدي عَنْهُ فينساك إن دنا منك فاقْربي منه واحفظي أنفه وسمعه وعينه فلا يشم منك إِلا طيبًا ولا يسمَعَ إِلا حسنًا ولا ينظر إِلا جميلاً.
وهكَذَا تَكُون المرأة المؤدبة الناجحة في امتلاك قلب زوجها لا كالتي إذ أتت لزوجها استقبلته بثياب المطبخ والملابس الوسخة شهباء الوجه غبراء الجلد شعثاء الشعر طويلة اللسان جاحدة الإحسان كأن زوجها عندها خادم حقير مضطر إليها لا تقيم له وزنًا ولا تبالي فيه ولا تهتم منه.
ومن حقوق زوجها عَلَيْهَا أن تترك له وقتًا يتفرغ فيه لنفسه ولفكره فإن كَانَ عابدًا تركت له وقتًا تطمئن فيه نَفْسهُ إلى عبادة ربه بخشوع وخضوع وحضور وقلب وإن كَانَ عالمًا تركت له وقتًا يطالع فيه ويقَرَأَ الكتب أو يؤلف أو يفكر.
فاللذة التي يجدها العَالِم في قراءته والعابد في خلوته لا تعدلها لذة في الحياة قال بعض العلماء: لو علم الملوك وأبناء الملوك ما نَحْنُ فيه لجالدون عَلَيْهِ بالسيوف. وقَدْ لا تشعر المرأة بهذه اللذة فلا تفهم لها معنى وقَدْ تتألم منها على معنى الكره والبعد عَنْهَا وهي في ذَلِكَ مُتجنية على زوجها ونفسها وَرُبَّمَا جنت على نفسها.
اللَّهُمَّ طهر قلوبنا من النفاق وعملنا من الرياء وألسنتنا من الكذب وأعيننا من الخيانة اللَّهُمَّ إننا نسألك إيمانًا يباشر قلوبنا ويقينًا صادقًا حتى نعلم أنه لا يصيبنا إِلا ما كتبت لنا وَاغْفِرْ لَنَا وَلِوَالِدَيْنَا وَجَمِيع المسلمين بِرَحْمَتِكَ يا أَرْحَمَ الرَّاحِمِينَ وَصَلَّى الله عَلَى مُحَمَّد وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ أَجْمَعِينَ.
فصل:
وإذا كانَتْ المرأة مأمورة بطاعة زوجها وبطلب رضاه فالزوج أيضاً مأمور بالإحسان إليها واللطف بها والصبر على ما يبدو منها من سوء خلق وغيره وإيصالها حقها من النفقة. والكسوة والعشرة الجميلة لقوله تَعَالَى: {وَعَاشِرُوهُنَّ بِالْمَعْرُوفِ}. ولقوله صلى الله عليه وسلم: «ألا وَاسْتَوْصُوا بِالنِّسَاءِ خيراً فإنما هن عوان عندكم لَيْسَ تملكون منهن شَيْئًا غير ذَلِكَ إِلاَّ أَن يَأْتِينَ بِفَاحِشَةٍ مُّبَيِّنَةٍ فإن فعلن فَاهْجُرُوهُنَّ فِي الْمَضَاجِعِ وَاضْرِبُوهُنَّ، أي ضربًا غير مبرح فإن أطعنكم فلا تبغوا عليهن سبيلا. ألا إن لكم على نسائكم حقًّا ولنسائكم عليكم حقًّا فحقكم عليهن أن لا يوطئن فرشكم من تكرهون ولا يأذن في بيوتكم لمن تكرهون ألا وحقهن عليكم أن تحسنوا إليهن في كسوتهن وطعامهن».
وَقَالَ صلى الله عليه وسلم: «خيْرُكُمْ خَيْرُكُمْ لأَهْلِهِ، وَأَنَا خَيْرُكُمْ لأَهْلِي ما أكرم النساء إِلا كريم ولا أهانهن إِلا لئيم». وعن أَبِي هُرَيْرَةِ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ قال: قَالَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم: «أكمل المؤمنين إيمانًا أحسنهم خلقًا وخياركم خياركم لنسائهم». وعن عائشة رَضِيَ اللهُ عَنها قالت: قَالَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم: «إن من أكمل الْمُؤْمِنِين إيمانًا أحسنهم خلقًا وألطفهم بأهله». وَقَالَ صلى الله عليه وسلم: «إِنَّ الْمَرْأَةَ خُلِقَتْ مِنْ ضِلَعٍ، فَإِنَّ أقمتها كَسَرْتَهُا فدارها تعش بها». رواه ابن حبان في صحيحه.
وفي الصحيحين عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ: «اسْتَوْصُوا بِالنِّسَاءِ، فَإِنَّ الْمَرْأَةَ خُلِقَتْ مِنْ ضِلَعٍ، وَإِنَّ أَعْوَجَ شَيْءٍ فِي الضِّلَعِ أَعْلاَهُ، فَإِنْ ذَهَبْتَ تُقِيمُهُ كَسَرْتَهُ، وَإِنْ تَرَكْتَهُ لَمْ يَزَلْ أَعْوَجَ، فَاسْتَوْصُوا بِالنِّسَاءِ». وفي رواية لمُسْلِمٌ: «إِنَّ الْمَرْأَةَ خُلِقَتْ مِنْ ضِلَعٍ لَنْ تَسْتَقِيمَ لَكَ عَلَى طَرِيقَةٍ فَإِنِ اسْتَمْتَعْتَ بِهَا اسْتَمْتَعْتَ بِهَا وفيها عِوَجٌ وَإِنْ ذَهَبْتَ تُقِيمُهَا كَسَرْتَهَا وَكَسْرُهَا طَلاَقُهَا».
وعن أَبِي هُرَيْرَةِ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ قال: قَالَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم «لاَ يَفْرَكْ مُؤْمِنٌ مُؤْمِنَةً إِنْ كَرِهَ مِنْهَا خُلُقًا رَضِيَ مِنْهَا آخَرَ» رواه مسلم.
ففي هَذَا الْحَدِيث إرشاد منه صلى الله عليه وسلم للزوج في معاشرة زوجته وهَذَا الإرشاد من أكبر الأسباب والدواعي إلى حسن العشرة واستدامتها فقَدْ نهى صلى الله عليه وسلم عن سوء العشرة.
ومفهوم الْحَدِيث الحث على حسن العشرة وأمره صلى الله عليه وسلم الزوج أن ينظر إلى المحاسن والمساوئ ويجعل ما كره في مقابلة ما رضِيَ منها فإنه إذا تأمل بإنصاف الأَخْلاق الجميلة والأَخْلاق التي يكرهها تبين له في الغالب أنها أقل من الأَخْلاق الفاضلة بكثير.
فإذا كَانَ صَاحِب إنصاف وعدل ورأى رجحان المحاسن على المساوئ غضّ عن المساوئ طرفه لاضمحلالها في المحاسن.
واسمَعَ ما يلي روي أن رجلاً جَاءَ إلى أمير الْمُؤْمِنِين عُمَر بن الْخَطَّاب رَضِيَ اللهُ عَنْهُ يشكو زوجته من جهة سوء خلقها معه فوقف بباب عمر ينتظر خروجه فسمَعَ امرأة عمر تستطيل عَلَيْهِ بلسانها وتخاصمه وعمر ساكت لا يرد عَلَيْهَا فقنع الرجل وانصرف راجعًا قائلاً في نَفْسهُ: إذا كَانَ هَذَا حال أمير الْمُؤْمِنِين مَعَ شدته وصلابته وحزمه فَكَيْفَ حالي أَنَا مَعَ ضعفي. فخَرَجَ عمر قبل أن يبعد الرجل فرأى الرجل مدبرًا موليًا عن بابه.
فناداه عمر وَقَالَ له: ما حاجتك يا رجل؟ فَقَالَ: يا أمير الْمُؤْمِنِين جئت أشكو إليك سوء خُلق زوجتي واستطالتها علي فَلَمَّا سمعت زوجتك كَذَلِكَ رجعت وقُلْتُ: إذا كَانَ هَذَا حال أمير الْمُؤْمِنِين مَعَ زوجته فَكَيْفَ حالي.
فَقَالَ عمر: يا أخي إني احتملُها لحقوق لها علي إنها طباخة لطعامي خبازة لخبزي غسالة لثيابي مُرضعة لولدي ولَيْسَ ذَلِكَ كله بواجب عَلَيْهَا ويسكن بها قلبي عن الحرام فأنَا أحتملها لذَلِكَ. فَقَالَ الرجل: يا أمير الْمُؤْمِنِين وكَذَلِكَ زوجتي.
قال عمر: فاحتملها يا أخي فإنما هِيَ مدة يسيرة. فَانْظُرْ إلى هَذَا الإنصاف لأمير الْمُؤْمِنِين فإنه لاحظ الأَخْلاق الجميلة والمحاسن وغض عن المساوئ بالكلية وتناساها.
ثُمَّ انظر كيف أثرت سيرته على هَذَا الرجل الَّذِي جَاءَ إليه ليشكو امرأته وَرَجَعَ قانعًا راضيًا. وَصَلَّى الله عَلَى مُحَمَّد وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ أَجْمَعِينَ.
فصل:
ومن حقوق الزوجة على زوجها أن يغار عَلَيْهَا فلا يعرضها للشبهة ولا يتساهل معها في ما يؤذي الشرف والمرؤة ولا يعرضها لألسنة السُّوء والتساهل في هَذَا قبيح يعد من سَفْسَافِ الأَخْلاق لما يجره من الشقاء لها وللأسرة ولزوجها.
وما زال النَّاس تتأثر سمعتهم وكرامتهم بسلوك الزوجات فمن أغضى عن زوجته وَهُوَ يرى ويسمَعَ أو أغضى عن بناته أو أخواته أو أي أنثى من قراباته فقَدْ أخَرَجَ نَفْسهُ من زمرة الرِّجَال الَّذِينَ لَهُمْ حرمة وشرف في النُّفُوس ومنزلة عِنْدَ الله على أنها إذا رأت منه تسامحًا ربما ازدادت توسعًا فيما همت به أو دخلت فيه.
فالمرأة شديدة التأثر بسلوك زوجها الديني فإن رأت منه حرصًا على التستر والعفة والنزاهة والعبادة اقتدت به وبادرت إلى ذَلِكَ استجابة لعاطفته وإرضاء لزوجها وإن رأت منه تشجيعًا على الإهمال والانفلات من أحكام الدين وأدب الأسرة لم تجد بُدًا آخر الأَمْر من أن تستجيب له وتفعل ما يرضيه.
هَذَا في الغالب وقل أن تجد من تبتعد عَنْهُ إذا رأته غير مستقيم وَكَمْ من زوجات خرجن من بيوت آبائهن عفيفات قانتات يصمن أيام البيض ويقمن لصلاة الليل فما مكثن غير زمن يسير حتى انحرفن عن ذَلِكَ كله بتأثر الزوج وانحرافه وجهله وتوجيهاته الفاسدة وتعليمه لها بالقول والْفِعْل نسأل الله العافية.
وأقل النَّاس إيمانًا وتوفيقًا وأبعدهم عن الأَخْلاق الفاضلة من أهدر المحاسن كُلّهَا ولو كانَتْ تربو بكثير على المساوئ.
وجعل المساوئ نصب عينيه وَرُبَّمَا مددها وبسطها وطولها وألحق بها غيرها وكررها وأعادها وفسرها بظنونه السيئة وتأويلاته الفاسدة.
وأضاف إليها من الكذب والبهت ما تستغيث منه الفضيلة كما هُوَ الواقع عِنْدَ كثير من أَهْل هَذَا العصر المظلم بالمعاصي والفتن والمنكرات والظلم.
وبعض يلاحظ المحاسن والمساوئ ويوازن بينهما ويعامل الزوجة بما يرى أنه مقتضى كُلّ واحد منها وهَذَا منصف ولكن الكمال في الحالة الأولى وقَدْ حرمه ولَقَدْ أجاد القائل:
إِذَا قِيسَ إِحْسَانَ امْرِئٍ بِإِسَاءَةٍ ** فَأَرْبَى عَلَيْهَا فَالإِسَاءَةُ تُغْفَرُ

وقَدْ ورد في فضل المرأة المطاوعة لزوجها أحاديث كثيرة نذكر بعضها إن شَاءَ الله من ذَلِكَ ما ورد عن أم سلمة رَضِيَ اللهُ عَنْهَا قَالَتْ: قَالَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم: «أيما امرأة ماتت وزوجها عَنْهَا راض دخلت الْجَنَّة». رواه ابن ماجة والترمذي وحسنه.
وعن أبي هريرة رَضِيَ اللهُ عَنْهُ قال: قَالَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم: «إذا صلت المرأة خمسها وحصنت فرجها وأطاعت بعلها دخلت من أي أبواب الْجَنَّة شاءت». رواه ابن حبان في صحيحه.
وروي عَنْهُ صلى الله عليه وسلم أنه قال: «يستغفر للمرأة المطيعة لزوجها الطير في الهواء والحيتان في الماء والملائكة في السماء والشمس والقمر ما دامت في رضا زوجها».
«وأيما امرأة عصت زوجها فعَلَيْهَا لعنة الله والملائكة وَالنَّاس أجمعين وأيما امرأة كلحت في وجه زوجها فهي في سخط الله إلى أن تضاحكه وتسترضيه وأيما امرأة خرجت من دارها بغير إذن زوجها لعنتها الملائكة حتى ترجع».
تنبيه: المراد بطاعة المرأة لزوجها إنما هِيَ في حدود الشريعة قال صلى الله عليه وسلم: «لا طاعة لمخلوق في معصية الخالق». فلو أمرها زوجها بمعصية كإتيانها في الدبر أو في المحيض فلا يجوز لها الموافقة ويحرم عَلَيْهَا ذَلِكَ.
وَكَذَا لو أمرها بترك صيام رمضان أو حج البيت أو أمرها بترك الزَّكَاة فلا يجوز لها طاعته وَكَذَا لو أراد جماعها وهي حائض حرم عَلَيْهَا طاعته في ذَلِكَ وفي مثل هذه الأمور يفهمها الموفق.
لِكُلِّ تَفَرُّقِ الدُّنْيَا اجْتِمَاعُ ** فَمَا بَعْدَ الْمَنُونِ مِن اجْتِمَاعِ

فِرَاقُ فَاصِلٌ وَنَوىً شَطُونٌ ** وَشُغْلٌ لا يُلِبِّثُ لِلْوَدَاعِ

وَكُلُّ أُخُوَّةٍ لابد يَوْمًا ** وَإِنْ طَالَ الْوِصَالُ إِلَى انْقِطَاعِ

وَإِنَّ مَتَاعَ ذِي الدُّنْيَا قَلِيلٌ ** فَمَا يُجْدِي الْقَلِيلُ مِنَ الْمَتَاع

اللَّهُمَّ نور قلوبنا بنور الإِيمَان وثبتها على قولك الثابت في الحياة الدُّنْيَا وفي الآخرة وَاجْعَلْنَا هداة مهتدين وتوفنا مسلمين وألحقنا بعبادك الصالحين يا أكرم الأكرمين ويا أَرْحَمَ الرَّاحِمِينَ وَصَلَّى الله عَلَى مُحَمَّد وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ أَجْمَعِينَ.